هل تسليم البغدادي المحمودي، رئيس وزراء ليبيا السابق نهاية وهم؟ إن البغدادي المحمودي بريء إلى أن تثبت إدانته في محاكمة عادلة تتوفر فيها كل شروط وضمانات الدفاع. وتسليمه، في نفس الوقت، هو واجب وحق للليبيين. لكن طريقة وتوقيت عملية التسليم تعتورها سبعة أخطاء:
خطأ قانوني : القانون المنظم للسلط لا يعطي بطريقة واضحة لرئيس الجمهورية صلاحية منع أو مباركة التسليم ولكن في نفس الوقت لا يعطي هذه الصلاحية للوزير الأول! عدم وضوح النص يحيلنا آلياً للفصل 313 من المجلة الجزائية الذي يشترط مرسوماً من الرئيس ليتم تفعيل التسليم. من جهة أخرى، فإن الفصل 324 من مجلة الاجراءات الجزائية: "وإذا لم يتسلم أعوان الدولة الطالبة الشخص المطلوب تسليمه في ظرف شهر من تاريخ الإعلام بأمر التسليم فإنه يخلى سبيله ولا يمكن بعدئذ طلب تسليمه لأجل السبب نفسه." فعملية التسليم إذا غير قانونية حتى شكلاً. بالإضافة إلى ذلك، فإن إتفاقية جنيف لعام 1951 الخاصة باللاجئين التي وقعت عليها تونس تقول إنه لا يمكن تسليم طالب اللجوء ما لم يتم النظر ورفض مطلبه في اللجوء. البغدادي تقدم بطلب لجوء ولم يتم النظر فيه بعد. إن القانون المنظم للسلطة العمومية ينص على أن السياسة الخارجية ترسم بالتوافق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وتصريحات الناطق الرسمي للرئاسة تثبت أن هذا التوافق لم يحصل. إذاص هناك خرق للمجلة الجزائية وللإتفاقات الدولية وللقانون المنظم للسلط العمومية! ما قامت به الحكومة، ومن ناحية قانونية هو تهريب أشخاص عبر الحدود بدون اتباع الإجراءات القانونية.
خطأ سياسي: وهو إهانة مؤسسة الرئاسة وهي ضربة قاصمة لمفهوم المؤسسة ! رئيس حكومة يفعل ما يريد كما يريد في إستهزاء كامل بالقانون ودور وثقل المؤسسات.الخطأ السياسي هو أيضاً في احتقار حركة النهضة ممثلة في حمادي الجبالي لشركائها: حزبي التكتل والمؤتمر. هل نسيت النهضة أنها لا تملك أغلبية مقاعد تمكنها من الحكم وحدها؟ هل مازالت تهدد بورقة العريضة الشعبية؟ ما الذي يعطي النهضة هذه القوة على إهانة حزبين معها في نفس الكتلة لم تكلف نفسها حتى عناء إعلامهم؟ هذا الخطأ السياسي قد يقلب المعادلة وقد يدفع نواب التكتل والمؤتمر لسحب الثقة عن حكومة النهضة. فقد إنكشف الغطاء : النهضة تحكم بمفردها ولم تراع المظاهر حتى مجاملة، فلماذا سيراعي نواب التكتل والمؤتمر كتلة يدفعون ثمنها غالياً وهم منسيون من ريعها؟
خطأ في التواصل : عندما يصرح سمير ديلو أن تسليم البغدادي سيسهل تسليم بن علي فهذا سب لذكاء التونسيين واستخفاف بعقولهم : حمادي الجبالي لم يطالب حتي بتسليم بن علي. وتسليم البغدادي لا علاقة له لا من بعيد ولا من قريب بتسليم بن علي. هذا التعليل السخيف يظهر الحكومة في شكل الدجال المتخبط الذي يقدم عذرا أقبح من ذنب.
خطأ إستراتيجي: تعدي رئيس الحكومة على القانون والإتفاقيات الدولية يعطي صورة سيئة جداً عن تونس مفدها أن الحكومة المنتخبة لا تحترم القانون و لا تحترم إتفاقياتها. هل ستزدري هذه الحكومة قوانين أخرى؟ هل بناء الديمقراطية وزرع الثقة في الداخل و الخارج يتم بخرق القانون؟
خطأ أخلاقي: عندما تقوم حكومة ثورة قائمة على الكرامة بتسليم مطلوب (بريء إلى أن تثبت إدانته) دون توفير شروط حفظ كرامته بعد تسليمه; عندما تقوم حكومة ثورة قامت لأجل رد إعتبار الإنسان ببيع لاجئ في سوق النخاسة، فتلك وصمة عار لتونس تاريخاً وحكومة وشعباً.
خطأ شرعي: قال عز وجل: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ [التوبة:6] هذا حال الكافر المستجير فما بالك بالمسلم ؟ فهل تأكد الجبالي أن في تسليم البغدادي إبلاغ له لمأمنه؟
خطأ تاريخي: بإعطائها صورة من هو قادر على طبخات سياسية يكون فيها المال أغلى من القانون الأخلاق والمبادئ، تزيل النهضة أي فرق بينها وبين أزلام النظام السابق وتؤكد ما راج من إشاعات عن عقدها صفقات مع رجال أعمال مقابل عدم المحاسبة و تفتح بتصرفها الباب على مصرعيه لعودة الأزلام بعد أن لفظتهم دماء مئات الشهداء وتكون بذلك مشاركة بجريمة ضد التاريخ.
جملة هذه الأخطاء و تداعياتها وإهانة النهضة لشركائها في الحكم بينت أن الترويكا هي محض وهم، وأن النهضة تحكم لوحدها في إزدراء كامل للقانون والوفاق والأخلاق و لم تبق للتكتل والمؤتمر ما يخافون عليه.
فهل ستزلزل لعنة البغدادي الترويكا؟